ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل، والحزن على ما سلف من دنياه، لأنه يغتبط بآخرته فقال: (لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون). وكفى بهذا فضلا وشرفا للنفقة في سبيل الله تعالى. وفيها دلالة لمن فضل الغنى على الفقير حسب ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم (263) فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (قول معروف) ابتداء والخبر محذوف، أي قول معروف أولى وأمثل، ذكره النحاس والمهدوي. قال النحاس: ويجوز أن يكون " قول معروف " خبر ابتداء محذوف، أي الذي أمرتم به قول معروف. والقول المعروف هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة وفى باطنها لا شئ، لان ذكر القول المعروف فيه أجر وهذه لا أجر فيها. قال صلى الله عليه وسلم: " الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " أخرجه مسلم. فيتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب، ليكون مشكورا إن أعطى ومعذورا إن منع. وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره. وحكى ابن لنكك (1) أن أبا بكر بن دريد قصد بعض الوزراء في حاجة لم يقضها وظهر له منه ضجر فقال:
لا تدخلنك ضجرة من سائل * فلخير دهرك أن ترى مسؤولا لا تجبهن بالرد وجه مؤمل * فبقاء عزك أن ترى مأمولا تلقى الكريم فتستدل ببشره * وترى العبوس على اللئيم دليلا واعلم بأنك عن قليل صائر * خبرا فكن خبرا يروق جميلا