القبض. وأما من منع انعقاد الربا في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحا، وذلك أن الربا كان محرما في الأديان، والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين، وأن ما قبضوه منه كان بمثابة أموال وصلت إليهم بالغصب (1) والسلب فلا يتعرض له. فعلى هذا لا يصح الاستشهاد على ما ذكروه من المسائل. واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله تعالى، كما حكى عن اليهود في قوله تعالى: " وأخذهم الربا وقد نهوا عنه (2) ". وذكر في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا: " أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء (3) " فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به. نعم، يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الامام لا يعترض عليها بالفسخ إن كانت معقودة على فساد.
السادسة والثلاثون - ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب، لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال والذي بقى هو الحرام. قال ابن العربي: وهذا غلو في الدين، فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الاهلاك إتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب، وهذا بين حسا بين معنى. والله أعلم.
قلت: قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه.
وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه. فإن التبس عليه الامر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده، فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه. فإن أيس من وجوده تصدق به عنه. فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه