فلا يجوز كراء الأرض بشئ من الطعام مأكولا كان أو مشروبا على حال، لان ذلك في معنى بيع الطعام بالطعام نسيئا. وكذلك لا يجوز عندهم كراء الأرض بشئ مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولا ولا مشروبا، سوى الخشب والقصب والحطب، لأنه عندهم في معنى المزابنة (1). هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه. وقد ذكر ابن سحنون عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني أنه قال: لا بأس باكراء الأرض بطعام لا يخرج منها. وروى يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك لا يجوز، كقول سائر أصحاب مالك. وذكر ابن حبيب، أن ابن كنانة كان يقول: لا تكرى الأرض بشئ إذا أعيد فيها نبت، ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل خرج منها أو لم يخرج منها، وبه قال يحيى بن يحيى، وقال:
إنه من قول مالك. قال: وكان ابن نافع يقول: لا بأس أن تكرى الأرض بكل شئ من طعام وغيره خرج منها أو لم يخرج، ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها المحاقلة (2) المنهي عنها. وقال مالك في الموطأ: فأما الذي يعطى أرضه البيضاء بالثلث والربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر، لان الزرع يقل مرة ويكثر أخرى، وربما هلك رأسا فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما، وإنما مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشئ معلوم، ثم قال الذي استأجر للأجير:
هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري (3) هذا إجارة لك. فهذا لا يحل ولا ينبغي. قال مالك: ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته ولا دابته إلا بشئ معلوم لا يزول. وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما. وقال أحمد بن حنبل والليث والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد: لا بأس أن يعطى الرجل أرضه على جزء