هي من رؤية البصر، فيكون متعديا لمفعولين: الأول الهاء والميم في " يريهم "، والثاني " أعمالهم "، وتكون " حسرات " حال. ويحتمل أن يكون من رؤية القلب، فتكون " حسرات " المفعول الثالث. " أعمالهم " قال الربيع: أي الأعمال الفاسدة التي ارتكبوها فوجبت لهم بها النار. وقال ابن مسعود والسدي: الأعمال الصالحة التي تركوها ففاتتهم الجنة، ورويت في هذا القول أحاديث. قال السدي: ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها لو أطاعوا الله تعالى، ثم تقسم بين المؤمنين فذلك حين يندمون. وأضيفت هذه الأعمال إليهم من حيث هم مأمورون بها، وأما إضافة الأعمال الفاسدة إليهم فمن حيث عملوها. والحسرة واحدة الحسرات، كتمرة وتمرات، وجفنة وجفنات، وشهوة وشهوات.
هذا إذا كان اسما، فإن نعته سكنت، كقولك: ضخمة وضخمات، وعبلة وعبلات. والحسرة أعلا درجات الندامة على شئ فائت. والتحسر: التلهف، يقال: حسرت عليه (بالكسر) أحسر حسرا وحسرة. وهي مشتقة من الشئ الحسير الذي قد انقطع وذهبت قوته، كالبعير إذا عيى. وقيل: هي مشتقة من حسر إذا كشف، ومنه الحاسر في الحرب: الذي لا درع معه. والانحسار. الانكشاف.
قوله تعالى: " وما هم بخارجين من النار " دليل على خلود الكفار فيها وأنهم لا يخرجون منها. وهذا قول جماعة أهل السنة، لهذه الآية، ولقوله تعالى: " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ". وسيأتي (1).
قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حللا طيبا ولا تتبعوا خطوت الشيطان إنه لكم عدو مبين (168) فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " يا أيها الناس " قيل: إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الانعام، واللفظ عام. والطيب هنا الحلال، فهو تأكيد لاختلاف اللفظ، وهذا قول مالك في الطيب. وقال الشافعي: الطيب المستلذ، فهو