فدل هذا الحديث مع صحته على أن التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحد وقبل التوبة، والله تعالى أعلم.
قال ابن العربي: وأما لعن العاصي مطلقا فيجوز إجماعا، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده).
الثالثة - قوله تعالى: " أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " أي إبعادهم من رحمته. وأصل اللعن: الطرد والابعاد، وقد تقدم (1). فاللعنة من العباد الطرد، ومن الله العذاب. وقرأ الحسن البصري " والملائكة والناس أجمعون " بالرفع. وتأويلها:
أولئك جزاءهم أن يلعنهم الله ويلعنهم الملائكة ويلعنهم الناس أجمعون، كما تقول: كرهت قيام زيد وعمرو وخالد، لان المعنى: كرهت أن قام زيد. وقراءة الحسن هذه مخالفة للمصاحف.
فإن قيل: ليس يلعنهم جميع الناس لان قومهم لا يلعنونهم، قيل عن هذا ثلاثة أجوبة، أحدها - أن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة الناس تغليبا لحكم الأكثر على الأقل.
الثاني - قال السدى: كل أحد يلعن الظالم، وإذا لعن الكافر الظالم فقد لعن نفسه.
الثالث - قال أبو العالية: المراد به يوم القيامة يلعنهم قومهم مع جميع الناس، كما قال تعالى:
" ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا (2) ". ثم قال عز وجل:
" خالدين فيها " يعنى في اللعنة، أي في جزائها. وقيل: خلودهم في اللعنة أنها مؤبدة عليهم " ولا هم ينظرون " أي لا يؤخرون عن العذاب وقتا من الأوقات. " و " خالدين " نصب على الحال من الهاء والميم في " عليهم "، والعامل فيه الظرف من قوله: " عليهم " لان فيها معنى استقرار اللعنة.
قوله تعالى: وإلهكم إله وحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163).
فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: " وإلهكم إله واحد " لما حذر تعالى من كتمان الحق بين أن أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه أمر التوحيد، ووصل ذلك بذكر البرهان، وعلم طريق