وإنما لم يجاز ب " لو " لان سبيل حروف المجازاة كلها أن تقلب الماضي إلى معنى المستقبل، فلما لم يكن هذا في " لو " لم يجز أن يجازى بها.
قوله تعالى: يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا رعنا وقولوا انضرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (104) فيه خمس مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا " ذكر شيئا آخر من جهالات اليهود والمقصود نهي المسلمين عن مثل ذلك. وحقيقة " راعنا " في اللغة أرعنا ولنرعك، لان المفاعلة من اثنين، فتكون من رعاك الله، أي احفظنا ولنحفظك، وارقبنا ولنرقبك. ويجوز أن يكون من أرعنا سمعك، أي فرغ سمعك لكلامنا. وفي المخاطبة بهذا جفاء، فأمر المؤمنين أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ومن المعاني أرقها. قال ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا. على جهة الطلب والرغبة - من المراعاة - أي التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سبا، أي اسمع لاسمعت، فاغتنموها وقالوا: كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا، فكانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: عليكم لعنة الله! لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، فقالوا: أو لستم تقولونها؟
فنزلت الآية، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه.
الثانية - في هذه الآية دليلان: أحدهما - على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض للتنقيص والغض، ويخرج من هذا فهم القذف بالتعريض، وذلك يوجب الحد عندنا خلافا لأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما حين قالوا: التعريض محتمل للقذف وغيره، والحد مما يسقط بالشبهة. وسيأتي في " النور (1) " بيان هذا، إن شاء الله تعالى.
الدليل الثاني - التمسك بسد الذرائع (2) وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد ابن حنبل في رواية عنه، وقد دل على هذا الأصل الكتاب والسنة. والذريعة عبارة عن أمر