إلا الله). فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر، لأنه قال: " حتى لا تكون فتنة " أي كفر، فجعل الغاية عدم الكفر، وهذا ظاهر. قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وغيرهم: الفتنة هناك الشرك وما تابعه من أذى المؤمنين. وأصل الفتنة: الاختبار والامتحان، مأخوذ من فتنت الفضة إذا أدخلتها في النار لتميز رديئها من جيدها. وسيأتي بيان محاملها إن شاء الله تعالى.
الثانية - قوله تعالى: " فإن انتهوا " أي عن الكفر، إما بالاسلام كما تقدم في الآية قبل، أو بأداء الجزية في حق أهل الكتاب، على ما يأتي بيانه في " براءة " (1) وإلا قوتلوا وهم الظالمون عدوان إلا عليهم. وسمي ما يصنع بالظالمين عدوانا من حيث هو جزاء عدوان، إذ الظلم يتضمن العدوان، فسمي جزاء العدوان عدوانا، كقوله: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (2). [الشورى: 40].
والظالمون هم على أحد التأويلين: من بدأ بقتال، وعلى التأويل الاخر: من بقي على كفر وفتنة.
قوله تعالى: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194).
فيه عشر مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " الشهر الحرام " قد تقدم اشتقاق الشهر (3). وسبب نزولها ما روي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ومقسم والسدي والربيع والضحاك وغيرهم قالوا:
نزلت في عمرة القضية وعام الحديبية، [وذلك (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا حتى بلغ الحديبية] في ذي القعدة سنة ست، فصده المشركون كفار قريش عن البيت فانصرف، ووعده الله سبحانه أنه سيدخله، فدخله سنة سبع وقضى نسكه، فنزلت هذه الآية. وروي عن الحسن أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنهيت يا محمد عن القتال في الشهر الحرام؟ قال: (نعم). فأرادوا قتاله، فنزلت الآية. المعنى: إن استحلوا ذلك فيه فقاتلهم، فأباح الله بالآية مدافعتهم، والقول الأول أشهر وعليه الأكثر.