قلت: فدل الكتاب والسنة والمعنى على إباحة ركوبه للمعنيين جميعا: العبادة والتجارة، فهي الحجة وفيها الأسوة. إلا أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم، فرب راكب يسهل عليه ذلك ولا يشق، وآخر يشق عليه ويضعف به، كالمائد (1) المفرط الميد، ومن لم يقدر معه على أداء فرض الصلاة ونحوها من الفرائض، فالأول ذلك له جائز، والثاني يحرم عليه ويمنع منه. لا خلاف بين أهل العلم وهي:
الخامسة - إن البحر إذا أرتج (2) لم يجز ركوبه لاحد بوجه من الوجوه في حين ارتجاجه ولا في الزمن الذي الأغلب فيه عدم السلامة، وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمن تكون السلامة فيه الأغلب، فإن الذين يركبونه حال السلامة وينجون لا حاصر لهم، والذين يهلكون فيه محصورون.
السادسة - قوله تعالى: " بما ينفع الناس " أي بالذي ينفعهم من التجارات وسائر المآرب التي تصلح بها أحوالهم. وبركوب البحر تكتسب الأرباح، وينتفع من يحمل إليه المتاع أيضا. وقد قال بعض من طعن في الدين: إن الله تعالى يقول في كتابكم:
" ما فرطنا في الكتاب من شئ (3) " فأين ذكر التوابل المصلحة للطعام من الملح والفلفل وغير ذلك؟ فقيل له في قوله: " بما ينفع الناس ".
السابعة - قوله تعالى: " وما أنزل الله من السماء من ماء " يعني بها الأمطار التي بها إنعاش العالم وإخراج النبات والأرزاق، وجعل منه المخزون عدة للانتفاع في غير وقت نزوله، كما قال تعالى: " فأسكناه في الأرض (4) ".
الثامنة - قوله تعالى: " وبث فيها من كل دابة " أي فرق ونشر، ومنه " كالفراش المبثوث (5) ". ودابة تجمع الحيوان كله، وقد أخرج بعض الناس الطير، وهو مردود،