الثانية - في هذه الآية دليل على أن الدين إذا أوصى به الميت خرج به عن ذمته وحصل الولي مطلوبا به، له الاجر في قضائه، وعليه الوزر في تأخيره. وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: " وهذا إنما يصح إذا كان الميت لم يفرط في أدائه، وأما إذا قدر عليه وتركه ثم وصى به فإنه لا يزيله عن ذمته تفريط الولي فيه ".
الثالثة - ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز، مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شئ من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث، قاله أبو عمر.
الرابعة - قوله تعالى: " إن الله سميع عليم " صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شئ من جنف الموصين وتبديل المعتدين.
قوله تعالى: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (182).
فيه ست مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " فمن خاف " " من " شرط، و " خاف " بمعنى خشي.
وقيل: علم. والأصل خوف، قلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها. وأهل الكوفة يميلون " خاف " ليدلوا على الكسرة من فعلت. " من موص " بالتشديد قراءة أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي، وخفف الباقون، والتخفيف أبين، لان أكثر النحويين يقولون " موص " للتكثير. وقد يجوز أن يكون مثل كرم وأكرم. " جنفا " من جنف يجنف إذا جار، والاسم منه جنف وجانف، عن النحاس. وقيل: الجنف الميل. قال الأعشى:
تجانف عن حجر (1) اليمامة ناقتي * وما قصدت من أهلها لسوائكا وفي الصحاح: " الجنف " الميل. وقد جنف بالكسر يجنف جنفا إذا مال، ومنه قوله تعالى: " فمن خاف من موص جنفا ". قال الشاعر (2):
هم المولى وإن جنفوا علينا * وإنا من لقائهم لزور