تبصرون ". فحواس الانسان أشرف من الكواكب المضيئة، والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها، وأعضاؤه تصير عند البلى ترابا من جنس الأرض، وفيه من جنس الماء العرق وسائر رطوبات البدن، ومن جنس الهواء فيه الروح والنفس، ومن جنس النار فيه المرة الصفراء. وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض، وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار، لان العروق تستمد من الكبد. ومثانته بمنزلة البحر، لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب الأنهار إلى البحر. وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض. وأعضاؤه كالأشجار، فكما أن لكل شجر ورقا وثمرا فكذلك لكل عضو فعل أو أثر.
والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض. ثم إن الانسان يحكى بلسانه كل صوت حيوان، ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان، فهو العالم الصغير مع العالم الكبير مخلوق محدث لصانع واحد، لا إله إلا هو.
قوله تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165).
لما أخبر الله سبحانه وتعالى في الآية قبل ما دل على وحدانيته وقدرته وعظم سلطانه أخبر أن مع هذه الآيات القاهرة لذوي العقول من يتخذ معه أندادا، وواحدها ند، وقد تقدم (1). والمراد الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها كعبادة الله مع عجزها، قاله مجاهد.
قوله تعالى: " يحبونهم كحب الله " أي يحبون أصنامهم على الباطل كحب المؤمنين لله على الحق، قاله المبرد، وقال معناه الزجاج. أي أنهم مع عجز الأصنام يحبونهم كحب المؤمنين لله مع قدرته. وقال ابن عباس والسدي: المراد بالأنداد الرؤساء المتبعون، يطيعونهم في معاصي الله. وجاء الضمير في " يحبونهم " على هذا على الأصل، وعلى الأول جاء ضمير الأصنام