قوله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173).
فيه أربع وثلاثون مسألة (1):
الأولى - قوله تعالى: " إنما حرم عليم الميتة " إنما " كلمة موضوعة للحصر، تتضمن النفي والاثبات، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفى ما عداه، وقد حصرت ها هنا التحريم، لا سيما وقد جاءت عقيب التحليل في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " فأفادت الإباحة على الاطلاق، ثم عقبها بذكر المحرم بكلمة " إنما " الحاصرة، فاقتضى ذلك الايعاب للقسمين، فلا محرم يخرج عن هذه الآية، وهي مدنية، وأكدها بالآية الأخرى التي روى أنها نزلت بعرفة: " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " إلى آخرها، فاستوفى البيان أولا وآخرا، قال ابن العربي. وسيأتي الكلام في تلك في " الانعام (2) " إن شاء الله تعالى.
الثانية - " الميتة " نصب ب " حرم "، و " ما " كافة. ويجوز أن تجعلها بمعنى الذي، منفصلة في الخط، وترفع " الميتة والدم ولحم الخنزير " على خبر " إن " وهي قراءة ابن أبي عبلة.
وفي " حرم " ضمير يعود على الذي، ونظيره قوله تعالى: " إنما صنعوا كيد ساحر (3) ". وقرأ أبو جعفر " حرم " بضم الحاء وكسر الراء ورفع الأسماء بعدها، إما على ما لم يسم فاعله، وإما على خبر إن. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع أيضا " الميتة " بالتشديد. الطبري: وقال جماعة من اللغويين: التشديد والتخفيف في ميت، وميت لغتان. وقال أبو حاتم وغيره:
ما قد مات فيقالان فيه، وما لم يمت بعد فلا يقال فيه " ميت " بالتخفيف، دليله قوله تعالى:
" إنك ميت وإنهم ميتون (4) ". وقال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت * إنما الميت ميت الاحياء