قدر الانعام فقال: " وإن كنتم من قبله لمن الضالين " والكاف في " كما " نعت لمصدر محذوف، و " ما " مصدرية أو كافة. والمعنى: إذ كروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة، واذكروه كما علمكم كيف تذكرونه لا تعدلوا عنه. و " إن " مخففة من الثقيلة، يدل على ذلك دخول اللام في الخبر، قال سيبويه. الفراء: نافية بمعنى ما، واللام بمعنى إلا، كما قال:
ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة الرحمن (1) أو بمعنى قد، أي قد كنتم، ثلاثة أقوال. والضمير في " قبله " عائد إلى الهدي. وقيل إلى القرآن، أي ما كنتم من قبل إنزاله إلا ضالين. وإن شئت على النبي صلى الله عليه وسلم، كناية عن غير مذكور، والأول أظهر والله أعلم.
قوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " قيل: الخطاب للحمس، فإنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات، بل كانوا يقفون بالمزدلفة وهي من الحرم، وكانوا يقولون: نحن قطين (2) الله، فينبغي لنا أن نعظم الحرم، ولا نعظم شيئا من الحل، وكانوا مع معرفتهم وإقرارهم إن عرفة موقف إبراهيم عليه السلام لا يخرجون من الحرم، ويقفون بجمع ويفيضون منه ويقف الناس بعرفة، فقيل لهم: أفيضوا مع الجملة. و " ثم " ليست في هذه الآية للترتيب وإنما هي لعطف جملة كلام هي منها منقطعة. وقال الضحاك: المخاطب بالآية جملة الأمة، والمراد ب " الناس " إبراهيم عليه السلام، كما قال: " الذين قال لهم الناس " (3) [آل عمران: 173] وهو يريد واحدا.
ويحتمل على هذا أن يؤمروا بالإفاضة من عرفة، ويحتمل أن تكون إفاضة أخرى، وهي التي من المزدلفة، فتجئ " ثم " على هذا الاحتمال على بابها، وعلى هذا الاحتمال عول