الامر فيهم، وساءت رعية علمائهم، وأقبلوا على الدنيا حرصا وطمعا، طلبوا أشياء تصرف وجوه الناس إليهم، فأحدثوا في شريعتهم وبدلوها، وألحقوا ذلك بالتوراة، وقالوا لسفهائهم:
هذا من عند الله، ليقبلوها عنهم فتتأكد رياستهم وينالوا به حطام الدنيا وأوساخها. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: ليس علينا في الأميين سبيل، وهم العرب، أي ما أخذنا من أموالهم فهو حل لنا. وكان مما أحدثوا فيه أن قالوا: لا يضرنا ذنب، فنحن أحباؤه وأبناؤه، تعالى الله عن ذلك! وإنما كان في التوراة " يا أحباري ويا أبناء رسلي " فغيروه وكتبوا " يا أحبائي ويا أبنائي " فأنزل الله تكذيبهم: " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم (1) ". فقالت: لن يعذبنا الله، وإن عذبنا فأربعين يوما مقدار أيام العجل، فأنزل الله تعالى: " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا (2) ".
قال ابن مقسم: يعني توحيدا، بدليل قوله تعالى: " إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (3) " يعني لا إله إلا الله " فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ". ثم أكذبهم فقال:
" بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (4) ". فبين تعالى أن الخلود في النار والجنة إنما هو بحسب الكفر والايمان، لا بما قالوه. قوله تعالى: فويل للذين يكتبون الكتب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79) فيه خمس مسائل: الأولى - قوله: " فويل " اختلف في الويل (5) ما هو، فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جبل من نار. وروى أبو سعيد الخدري أن الويل واد في جهنم بين