حيث وجدتموهم " [التوبة: 5]. فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عامة في الأماكن، والتي احتججت بها خاصة، ولا يجوز لاحد أن يقول:
إن العام ينسخ الخاص. فبهت القاضي الزنجاني، وهذا من بديع الكلام). قال ابن العربي (1):
(فإن لجأ إليه كافر فلا سبيل إليه، لنص الآية والسنة الثابتة بالنهي عن القتال فيه. وأما الزاني والقاتل فلا بد من إقامة الحد عليه، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيقتل بنص القرآن).
قلت: وأما ما احتجوا به من قتل ابن خطل وأصحابه فلا حجة فيه، فإن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر، وكان له أن يريق دماء من شاء من أهلها في الساعة التي أحل فيها القتال. فثبت وصح أن القول الأول أصح، والله أعلم.
الرابعة - قال بعض العلماء: في هذه الآية دليل على أن الباغي على الامام بخلاف الكافر، فالكافر يقتل إذا قاتل بكل حال، والباغي إذا قاتل يقاتل بنية الدفع. ولا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح. على ما يأتي بيانه من أحكام الباغين في " الحجرات " (2) إن شاء الله تعالى.
الخامسة - قوله تعالى: " فإن انتهوا " أي عن قتالكم بالايمان فإن الله يغفر لهم جميع ما تقدم، ويرحم كلا منهم بالعفو عما اجترم، نظيره قوله تعالى: " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " [الأنفال: 38]. وسيأتي.
(3) قوله تعالى: وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدون إلا على الظالمين (193).
فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: " وقاتلوهم " أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع، على من رآها ناسخة. ومن رآها غير ناسخة قال: المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم: " فإن قاتلوكم " والأول أظهر، وهو أمر بقتال مطلق لا بشرط أن يبدأ الكفار. دليل ذلك قوله تعالى:
" ويكون الدين لله "، وقال عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله