فيه أربع عشرة مسألة:
الأولى - قوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله: " وأتموا الحج والعمرة " [البقرة: 196] بين اختلافهما في الوقت، فجميع السنة وقت للاحرام بالعمرة، ووقت العمرة. وأما الحج فيقع في السنة مرة، فلا يكون في غير هذه الأشهر. و " الحج أشهر معلومات " ابتداء وخبر، وفي الكلام حذف تقديره: أشهر الحج أشهر، أو وقت الحج أشهر، أو وقت عمل الحج أشهر. وقيل التقدير: الحج في أشهر. ويلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر، ولم يقرأ أحد بنصبها، إلا أنه يجوز في الكلام النصب على أنه ظرف. قال الفراء: الأشهر رفع، لان معناه وقت الحج أشهر معلومات. قال الفراء: وسمعت الكسائي يقول: إنما الصيف شهران، وإنما الطيلسان (1) ثلاثة أشهر. أراد وقت الصيف، ووقت لباس الطيلسان، فحذف.
الثانية - واختلف في الأشهر المعلومات، فقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري: أشهر الحج شوال وذو العقدة وذو الحجة كله. وقال ابن عباس والسدي والشعبي والنخعي: هي شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة، وروي عن ابن مسعود، وقاله ابن الزبير، والقولان مرويان عن مالك، حكى الأخير ابن حبيب، والأول ابن المنذر.
وفائدة الفرق تعلق الدم، فمن قال: إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم يرد ما فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر، لأنها في أشهر الحج. وعلى القول الأخير ينقضي الحج بيوم النحر، ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك لتأخيره عن وقته.
الثالثة - لم يسم الله تعالى أشهر الحج في كتابه، لأنها كانت معلومة عندهم. ولفظ الأشهر قد يقع على شهرين وبعض الثالث، لان بعض الشهر يتنزل منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا، أو على عهد فلان. ولعله إنما رآه في ساعة منها، فالوقت يذكر بعضه بكله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيام منى ثلاثة). وإنما هي يومان وبعض الثالث. ويقولون:
رأيتك اليوم، وجئتك العام. وقيل: لما كان الاثنان وما فوقهما جمع (2) قال أشهر، والله أعلم.