المطالب بالدين إذا كان معسرا خائفا من الحبس، عاجزا عن بينة الإعسار، فلهم أن يصلوا هذه الصلاة، لأن قوله تعالى: * (فإن خفتم) * مطلق يتناول الكل.
فإن قيل: قوله: * (فرجالا أو ركبانا) * يدل على أن المراد منه الخوف من العدو حال المقاتلة.
قلنا. هب أنه كذلك إلا أنه لما ثبت هناك دفعا للضرر، وهذا المعنى قائم ههنا، فوجب أن يكون ذلك الحكم مشروعا والله أعلم.
المسألة الرابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: فرض الله على لسان نبيكم الصلاة في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، والجمهور على أن الواجب في الحضر أربع، وفي السفر ركعتان سواء كان في الخوف أو لم يكن، وأن قول ابن عباس متروك.
أما قوله تعالى: * (فإذا أمنتم) * فالمعنى بزوال الخوف الذي هو سبب الرخصة * (فاذكروا الله كما علمكم) * وفيه قولان الأول: فاذكروا بمعنى فافعلوا الصلاة كما علمكم بقوله: * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * (البقرة: 238) وكما بينه بشروطه وأركانه، لأن سبب الرخصة إذا زال عاد الوجوب فيه كما كان من قبل، والصلاة قد تسمى ذكرا لقوله تعالى: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9).
والقول الثاني: * (فاذكروا الله) * أي فاشكروه لأجل إنعامه عليكم بالأمن، طعن القاضي في هذا القول وقال: إن هذا الذكر لما كان معلقا بشرط مخصوص، وهو حصول الأمن بعد الخوف لم يكن حمله على ذكر يلزم مع الخوف والأمن جميعا على حد واحد، ومعلوم أن مع الخوف يلزم الشكر، كما يلزم مع الأمن، لأن في كلا الحالين نعمة الله تعالى متصلة، والخوف ههنا من جهة الكفار لا من جهته تعالى، فالواجب حمل قوله تعالى: * (فاذكروا الله) * على ذكر يختص بهذه الحالة.
والقول الثالث: أنه دخل تحت قوله: * (فاذكروا الله) * الصلاة والشكر جميعا، لأن الأمن بسبب الشكر محدد يلزم فعله مع فعل الصلاة في أوقاتها.
أما قوله تعالى: * (كما علمكم) * فبيان إنعامه علينا بالتعليم والتعريف، وأن ذلك من نعمه تعالى، ولولا هدايته لم نصل إلى ذلك، ثم إن أصحابنا فسروا هذا التعليم بخلق العلم والمعتزلة فسروه بوضع الدلائل، وفعل الألطاف، وقوله تعالى: * (ما لم تكونوا تعلمون) * إشارة إلى ما قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من زمان الجهالة والضلالة.