بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت لتعلم قومه أنه قد نزل به ضيف. وقال السدي: كانت خيانتهما: كفرهما. وقال الضحاك: نميمتهما، وقال ابن السائب: نفاقهما.
قوله [عز وجل]: (فلم يغنيا عنهما من الله شيئا)، أي: يدفعا عنهما من عذاب الله شيئا. وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره. ثم أخبر أن معصية الغير لا تضر المطيع بقوله: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) وهي آسية بنت مزاحم. وقال يحيى بن سلام: ضرب الله المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما. ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة. وكانت آسية قد آمنت بموسى. قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتادا في يديها ورجليها، وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة، فقالت: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها قوله (ونجني من فرعون وعمله) فيه قولان:
أحدهما: أن عمله: جماعه.
والثاني: أنه دينه رويا عن ابن عباس قوله (ونجني من القوم الظالمين) يعني أهل دينه المشركين.
قوله [عز وجل]: (والتي أحصنت فرجها) قد ذكرنا فيه قولين في سورة الأنبياء فمن قال: هو فرج ثوبها، قال " الهاء " في قوله [تعالى]: (فنفخنا فيه) ترجع إليه، وذلك أن جبريل مد جنب درعها، فدخل فيه، ومن قال: هو مخرج الولد، قال: " الهاء " كناية عن غير مذكور، لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها.
قوله [عز وجل]: (وصدقت بكلمات ربها) وفيه قولان:
أحدهما: أنه قول جبريل (إنما أنا رسول ربك).
والثاني: الكلمات هي التي تضمنتها كتب الله المنزلة. وقرأ أبي بن كعب، وأبو مجلز، وعاصم الجحدري " بكلمة ربها " على التوحيد " وكتبه " قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم " وكتابه " على التوحيد، وقرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وخارجة عن نافع " وكتبه " جماعة، وهي التي أنزلت على الأنبياء، ومن قرأ " وكتابه " فهو اسم جنس على ما بينا في خاتمة البقرة وقد بينا فيها القنوت مشروحا. ومعنى الآية وكانت من القانتين، ولذلك لم يقل: من القانتات.