موعظة للخلق أجمعين (لمن شاء منكم أن يستقيم) على الحق والإيمان. والمعنى: أن القرآن إنما يتعظ به من استقام على الحق. وقد بينا سبيل الاستقامة، فمن شاء أخذ في تلك السبيل. ثم أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه بما بعد هذا، وقد بينا هذا في سورة الانسان قال أبو هريرة:
لما نزلت (لمن شاء منكم أن يستقيم) قالوا: الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فنزل قوله [تعالى]: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) وقيل: القائل لذلك أبو جهل.
وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأبو المتوكل، وأبو عمران: " وما يشاؤون " بالياء.
فصل وقد زعم بعض ناقلي التفسير أن قوله [عز وجل]: (لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله [عز وجل] في عبس: (فمن شاء ذكره)، وقوله [عز وجل] في سورة الانسان وفي سورة المزمل: (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) كله منسوخ بقوله [عز وجل]: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) ولا أرى هذا القول صحيحا، لأنه لو جاز وقوع مشيئتهم مع عدم مشيئته توجه النسخ. فأما إذ أخبر أن مشيئتهم لا تقع إلا بعد مشيئته، فليس للنسخ وجه.