كذبوا رسلهم (ثم نتبعهم الآخرين) والقراء على رفع العين في " نتبعهم "، وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين. قال الفراء: " نتبعهم " مرفوعة. ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود " وسنتبعهم الآخرين ". ولو جزمت على معنى: ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجها جيدا. وقال الزجاج: الجزم عطف على " نهلك "، ويكون المعنى: لمن أهلك أولا وآخرا.
والرفع على معنى: ثم نتبع الأول والآخر من كل مجرم. وقال مقاتل: ثم نتبعهم الآخرين: يعني:
كفار مكة حين كذبوا بالنبي [صلى الله عليه وسلم]، وقال ابن جرير: الأولون: قوم نوح، وعاد، وثمود، والآخرون:
قوم إبراهيم، ولوط، ومدين.
قوله [عز وجل]: (كذلك) أي: مثل ذلك (نفعل بالمجرمين) يعني: المكذبين. فإن قيل:
ما الفائدة في تكرار قوله [عز وجل]: (ويل يومئذ للمكذبين)؟ فالجواب: أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى، لأنه كلما ذكر شيئا قال: (ويل يومئذ للمكذبين) بهذا.
قوله [عز وجل]: (ألم نخلقكم) قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف. وقرأ الباقون بإدغامها.
قوله [عز وجل]: (من ماء مهين) أي: ضعيف (فجعلناه في قرار مكين) يعني: الرحم (إلى قدر معلوم) وهو مدة الحمل (فقدرنا) قرأ أهل المدينة، والكسائي " فقدرنا " بالتشديد. وقرأ الباقون: بالتخفيف. [وهل بينهما فرق] فيه قولان:
أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد. قال الفراء: تقول العرب: قدر عليه، وقدر عليه. وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال: لو كانت مشددة لقال: فنعم القادرون، فأجاب الفراء فقال: قد تجمع العرب بين المعنيين، كقوله تعالى: (فمهل الكافرين أمهلهم رويدا). قال الشاعر:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت * من الحوادث إلا الشيب والصلعا يقول: ما أنكرت إلا ما يكون في الناس.