وبعبارة أخرى: لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز، ولا تستعظم كل ذلك، بل أعلم أنه لو قدمت خدمة للناس سواءا في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منة، أو توقع عوض أكبر مما أعطيت، لأن المنة تحبط الأعمال الصالحة: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى (1).
" لا تمنن " من مادة " المنة " وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير، وهنا يتضح لنا العلاقة بينه وبين الإستكثار، لأن من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة، فكيف إذن بالاستكثار، فإن الامتنان يؤدي دائما إلى الإستكثار، وهذا مما يزيل قيمة النعم، وما جاء من الروايات يشير لهذا المعنى:
" لا تعط تلتمس أكثر منها " (2) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية: " لا تستكثر ما عملت من خير لله " (3) وهذا فرع من ذلك المفهوم.
ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول: ولربك فصبر، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كل شئ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة، واصبر على أذى المشركين الجهلاء، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.
ومن المؤكد أن الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة، والمعروف أن الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم