واغتم لهذا الأمر، فنزلت بالآيات المذكورة في صدر السورة حتى الآية (25) لمواساة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقيل: لما نزلت عليه: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العذاب قام إلى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه مخزوم، فقال: والله، لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وأن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى، ثم انصرف إلى منزله.
فقالت قريش: صبا - والله - الوليد، والله لتصبأن قريش كلها، وكان يقال للوليد ريحانة قريش، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فانطلق فقعد إلى جانب الوليد حزينا، فقال له الوليد: ما أراك حزينا يا ابن أخي، قال: هذه قريش يعيبونك على كبر سنك، ويزعمون أنك مدحت كلام محمد فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال: أتزعمون أن محمدا مجنون، فهل رأيتموه يخنق قط؟ فقالوا: اللهم لا.
قال: أتزعمون أنه كاهن، فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟ قالوا: اللهم لا.
قال: أتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه أنه ينطق بشعر قط؟ قالوا: اللهم لا.
قال: أتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم على شيئا من الكذب؟ قالوا: اللهم لا، وكان يسمى الصادق الأمين قبل النبوة من صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟!
فتفكر في نفسه، ثم نظر وعبس، فقال: ما هو إلا ساحر، ما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر (1).
* * *