فيكون المعنى بناء على هذا أنهم ابتدوا من مرحلة السهو، ثم انساقوا إلى مرحلة الغفلة، ولما استمروا وواصلوا في هذا الطريق غرقوا في الجهل تماما، والجمع بين هذين التعبيرين " السهو " و " الغمرة " في هذه الآية لعله إشارة إلى بداية هذه الحركة ونهايتها.
فعلى هذا يكون المراد من كلمة " الخراصون " هم الغارقون في جهلهم وكل يوم يتذرعون بحجة واهية فرارا من الحق.
ولذلك فهم دائما: يسألون أيان يوم الدين.
جملة " يسألون " والفعل للمضارع يدل على أنهم يثيرون هذا السؤال أيان يوم الدين؟! باستمرار... على أنه ينبغي أن يكون يوم القيامة وموعده مخفيا.
ليحتمل كل أحد أنه محتمل الوقوع في كل أي زمان، ويحصل منه الأثر التربوي للإيمان بيوم القيامة الذي هو بناء الشخصية والاستعداد الدائم.
وهذا الكلام يشبه تماما كلام المريض إذ يسأل طبيبه مثلا: متى يكون آخر عمري ويكرر عليه السؤال باستمرار، فكل أحد يعد هذا السؤال هذرا ويقول:
المهم أن تعرف أن الموت حق لتعالج نفسك ولئلا تبتلى بالموت السريع.
إلا أنهم لم يكن لهم من هدف سوى الاستهزاء أو التذرع بالحجج الواهية ولم يكن سؤالهم عن تاريخ يوم القيامة وزمانه بحق!
إلا أنه ومع هذه الحال فإن القرآن يرد عليهم مجيبا بلغة شديدة ويعنفهم يوم هم على النار يفتنون.
وعندئذ يقال لهم هنالك: ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون والفتنة في الأصل اختبار الذهب في موقد النار ليمتاز الخالص من غيره، ومن هنا فقد استعملت " الفتنة " على أي نوع كان من أنواع الامتحان أو الاختبار، كما استعملت على دخول الإنسان النار، كما تستعمل في البلاء والعذاب وعدم الراحة كما تشير إليه الآية محل البحث هنا.
* * *