كما ينبغي الإشارة إلى أن الأمر بالإعراض عمن تولى عن ذكر الله، ليس مختصا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هو شامل لجميع الدعاة في طريق الحق، ليصرفوا طاقاتهم الكريمة في ما يحتمل تأثيرها فيه، أما عبدة الدنيا وموتى القلوب الذين لا أمل في هدايتهم فينبغي - بعد إتمام الحجة عليهم - الإعراض عنهم ليحكم الله حكمه فيهم!.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث يثبت القرآن انحطاط أفكار هذه الفئة فيقول مضيفا: ذلك مبلغهم من العلم.
أجل، إن أوج أفكارهم منته إلى هذا الحد وهو اسطورتهم أن الملائكة بنات الله!! - وخبطهم في الخرافات.. وهذه آخر نقطة تبلغ إليه همتهم، إذ نسوا الله وأقبلوا على الدنيا واستعاضوا عن جميع شرفهم ووجودهم بالدينار والدرهم!
وهذه الجملة ذلك مبلغهم من العلم يمكن أن تكون إشارة إلى خرافاتهم كعبادة الأصنام وجعلهم الملائكة بنات الله: أي أن منتهى علمهم هو هذه الأوهام!.
أو أنها إشارة إلى حب الدنيا والأسر في قبضة الماديات، أي أن؟ منتهى إدراكهم هو قناعتهم بالأكل والشرب والنوم والمتاع الفاني في هذه الدنيا وزبرجها وزخرفها الخ.
وقد جاء في الدعاء المعروف في أعمال شعبان المنقول عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا " (1).
وتختتم الآية بالقول: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ختام الآية يشير إلى هذه الحقيقة، وهي أن الله يعرف الضالين جيدا كما يعرف المهتدين أيضا، فيصب غضبه على الضالين ويسبغ لطفه على المهتدين، ويجازي كلا بعمله يوم القيامة.
* * *