يسمعون من الشياطين - إلى عامة الناس، إلا أن التفسير الأول أصح ظاهرا (1)!
وفي الآية الرابعة - من الآيات محل البحث - يرد القرآن على اتهام آخر كان الكفار يرمون به النبي فيدعونه شاعرا، كما في الآية (5) من سورة الأنبياء بل هو شاعر وربما دعوه بالشاعر المجنون، كما جاء في الآية (36) من سورة الصافات ويقولون أإنا لتاركوا ألهتنا لشاعر مجنون.
فالقرآن يردهم هنا ببيان بليغ منطقي، بأن منهج النبي يختلف عن منهج الشعراء. فالشعراء يتحركون في عالم من الخيال، وهو يتحرك على أرض الواقع والواقعيات، لتنظيم العالم الإنساني...
والشعراء يبحثون عن العيش واللذة والغزل (كما هي الحال بالنسبة لشعراء ذلك العصر في الحجاز خاصة حيث يظهر ذلك من أشعارهم بوضوح).
ولذا فإن أتباعهم هم الضالون: والشعراء يتبعهم الغاوون.
ثم يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقبا ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. (2) فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية، حتى أن القوافي تجرهم إلى هذا الاتجاه أو ذاك، ويهيمون معها في كل واد...
وهم غالبا ليسوا أصحاب منطق واستدلال، وأشعارهم تنبع مما تهيج به عواطفهم وقرائحهم... وهذه العواطف تسوقهم في كل آن من واد لآخر!...
فحين يرضون عن أحد يمدحونه ويرفعونه إلى أوج السماء، وإن كان حقه أن يكون في أسفل السافلين، ويلبسونه ثوب الملاك الجميل وإن كان شيطانا لعينا...