وهذا التعبير الرائع ذو المعنى الغزير يبين دقائق مختلفة في شأن محبة المؤمنين، ويمكن إدراكها بأدنى التفاتة!...
وذكر هذه الجملة - ضمنا - بعد مسألة الإنذار يكشف عن هذه الحقيقة، وهي إذا كان التعويل على الخشونة في بعض الموارد بمقتضى الضرورات التربوية، فإنه وبلا فاصلة يأتي التعويل على المحبة والعاطفة ليتوفر منهما نمط مناسب...
ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي أن الأعداء لم يقبلوا دعوتك وعصوا أوامرك.
فلا تبتئس ولا تحزن: فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون... ليعرفوا موقفك منهم!
والظاهر أن الضمير في عصوك - يعود على عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأقربين... أي إذا لم يذعنوا بعد دعوتك إياهم للحق، وواصلوا شركهم وعنادهم، فعليك أن تبين موقفك منهم، وهذا التوقع الذي احتمله القرآن حدث فعلا، كما سنذكر ذلك في البحوث القادمة، إذ امتنع الجميع عن قبول دعوة النبي ما عدا عليا (عليه السلام)... فبعضهم لاذ بالصمت، وبعضهم أبدى مخالفته عن طريق الاستهزاء والسخرية...
وأخيرا فالأمر الإلهي الخامس للنبي لإكمال مناهجه السابقة، هو: وتوكل على العزيز الرحيم.
فلا تدع لعنادهم مجالا للتأثير على عزيمتك... ولا لقلة الأعوان والأنصار طريقا لتوهين ارادتك، فلست وحدك... وسندك وملاذك هو الله القادر العزيز الذي لا يقهر، والرحيم الذي لاحد لرحمته...
الله الذي سمعت وصفه في ختام قصص الأنبياء بالعزيز الرحيم!...
الله الذي بقدرته أحبط ظلم فرعون وغرور نمرود، وتمرد قوم نوح، وأنانية قوم هود، واتباع الشهوات لقوم لوط. وكذلك أنقذ أنبياءه ورسله الذين كانوا قلة، وشملهم برحمته الواسعة.
ذلك الله الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.