يحمي المظلوم ويدافع عنه، ولم يدر أنه ستؤول ضربته إلى الإجهاز عليه وقتله، فبناء على ذلك فإن الضال هنا معناه " الغافل " والمراد منه الغافل عن العاقبة التي أدى عمله إليها.
وقال بعض المفسرين: إن المراد من ذلك أنه لم يكن أي خطأ في قتل القبطي الظالم لأنه كان مستحقا، بل إن موسى (عليه السلام) يريد أن يقول: إنه لم يدر أن عاقبة عمله ستكون على هذا الوجه، وأنه لا يستطيع البقاء في مصر وعليه أن يخرج بعيدا عن وطنه، وأن يتأخر منهجه " في أداء رسالته ".
ولكن الظاهر أن هذا لا يعد جوابا لفرعون، بل هو موضوع كان لموسى أن يبينه لأتباعه ومن حوله من محبيه! لا أنه رد على إشكال فرعون!...
والتفسير الثالث الذي من المحتمل أن يكون مناسبا أكثر لمقام موسى (عليه السلام) - من جهات متعددة - ويتلاءم وعظمة كيانه، أن موسى (عليه السلام) استخدم التورية في تعبيره جوابا على كلام فرعون، فقال كلاما ظاهره أنه لم يعرف طريق الحق في ذلك الزمان... لكن الله عرفه إياه بعدئذ، ووهب له حكما - فجعله من المرسلين، إلا أنه كان يقصد في الباطن أنه لم يدر أن عمله حينئذ سيؤدي إلى هذه النتيجة! من الجهد والعناء واضطراب البال - مع أن أصل عمله كان حقا ومطابقا لقانون العدالة " أو أنه يوم كانت هذه الحادثة قد وقعت كان موسى (عليه السلام) قد ضل طريقه فصادف أمامه هذه القضية "...
ونحن نعرف أن " التورية " هي أن يقول الإنسان كلاما باطنه حق، إلا أن الطرف الآخر يفهم من ظاهره شيئا آخر، وهذا الأمر يقع في موارد خاصة يبتلى الإنسان فيها بالحرج أو الضيق، ولا يريد أن يكذب، وهو في الوقت ذاته على ظاهر كلامه... (1)