الحقيقة يوما بعد يوم.
وتأتي الآية التالية لتقول مؤكدة بصراحة: إن في ذلك لآية.
أجل إن الالتفات إلى هذه الحقيقة، وهي أن هذا التراب الذي لا قيمة له ظاهرا، بما فيه من تركيب معين هو مبدأ ظهور أنواع الأزهار الجميلة، والأشجار المثمرة الظليلة، والفواكه ذات الألوان الزاهية، وما فيها من خواص مختلفة. وهو - أي التراب - يبين منتهى قدرة الله، إلا أن أولئك الذين طبع على قلوبهم في غفلة وجهل إلى درجة يرون معها آيات الله بأعينهم، ومع ذلك يجحدونها ويكفرون بها، ويترسخ في قلوبهم العناد والجدل!
لذلك فإن الآية هذه تعقب قائلة: وما كان أكثرهم مؤمنين.
أي إن عدم الإيمان لدى أولئك أمسى كالصفة الراسخة فيهم، فلا عجب أن لا ينتفعوا من هذه الآيات، لأن قابلية المحل من شرائط التأثير الأصيلة أيضا كما نقرأ قوله تعالى: هدى للمتقين. (1) وفي آخر آية من الآيات محل البحث يرد الخطاب في تعبير يدل على التهديد والترهيب والتشويق والترغيب، فيقول سبحانه: وإن ربك لهو العزيز الرحيم...
" العزيز " معناه المقتدر الذي لا يغلب ولا يقهر، فهو قادر على إظهار الآيات العظمى، كما أنه قادر على إهلاك المكذبين وتدميرهم.. إلا أنه مع كل ذلك رحيم، ورحمته وسعت كل شئ، ويكفي الرجوع بإخلاص إليه في لحظة قصيرة! لتشمل رحمته من أناب إليه وتاب، فيعفو عنه بلطفه ورحمته!
ولعل تقديم كلمة " العزيز " على " الرحيم " لأنه لو تقدمت كلمة الرحيم على العزيز لأشعرت الإحساس بالضعف، إلا أنه قدم سبحانه الوصف بالعزيز ليعلم أنه وهو في منتهى قدرته ذو رحمة واسعة!
* * *