على أية حال، فهذه الآية تصور واحدا من المظاهر المدهشة لقدرة الخالق في عالم مخلوقاته، وكيف يستقر حجاب غير مرئي، وحائل خفي بين البحر المالح والبحر العذب، فلا يسمح لهما بالاختلاط.
وقد اتضح اليوم أن هذا الحجاب اللا مرئي، هو ذلك " التفاوت بين كثافة المالح والعذب " وفي الاصطلاح " تفاوت الوزن النوعي " لهما، حيث يكون سببا في عدم امتزاجهما إلى مدة طويلة.
ورغم أن جماعة من المفسرين وقعوا في تعب من أجل اكتشاف مثل هذين البحرين في الكرة الأرضية وأين يوجد بحر عذب الماء في جوار بحر مالح الماء ولا يمتزجان!؟ لكن هذه المشكلة انحلت لنا، لأننا نعلم أن جميع أنهار الماء، العذب العظيمة التي تصب في البحار عند الساحل، تشكل بحرا من الماء العذب، فتدفع المياه المالحة إلى الخلف، ويستمر هذا الوضع إلى مدة طويلة، وبسبب التفاوت في كثافتهما يمتنعان عن الامتزاج مع بعضهما، فكل واحد منهما يقول للآخر: حجرا محجورا.
الملفت هو أن سطح البحر يرتفع وينخفض بمقدار كبير بسبب المد والجزر اللذين يحصلان مرتين في اليوم بتأثير جاذبية القمر وبذلك تغمر المياه العذبة التي شكلت بحرا اليابسة في مصبات تلك الأنهار وأطرافها، وقد استفاد الناس من هذه الحالة منذ قديم الزمان، فحفروا جداول كثيرة في أطراف ملتقى الأنهار مع البحر، وزرعوا أراض شاسعة بالأشجار، حيث تتم سقايتها بنفس ذلك الماء العذب الذي ينتشر في مناطق واسعة بواسطة المد والجزر.
توجد حتى الآن في جنوب العراق وإيران ملايين من أشجار النخيل، وقد شاهدنا عن قرب أن قسما منها يسقى فقط بهذه الوسيلة، ويقع على بعد كبير من ساحل البحر، وأحيانا يتغلب الماء المالح حيث تقل المياه التي تصبها الأنهار الكبيرة في البحر في السنين المجدية، فيقلق المزارعون من أهل هذه المنطقة، لأن