وكل ذلك إشارة إلى مصاديق واضحة تذكرها الأحاديث كعادتها حين تفسير القرآن.
أجل، إن كل مركز يقام بأمر من الله، ويذكر فيه اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال، وفيه رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله، فهي مواضع لمشكاة الأنوار الإلهية والإيمان والهداية.
ولهذه البيوت عدة خصائص:
أولها: أنها شيدت بأمر من الله.
والأخرى: إن جدرانها رفعت وأحكم بناؤها لتمنع تسلل الشياطين.
وثالثها: أنها مركز لذكر الله.
وأخيرا: فإن فيها رجالا يحرسونها ليل نهار، وهم يسبحون الله، ولا تلهيهم الجواذب الدنيوية عن ذكر الله.
هذه البيوت بهذه الخصائص، مصادر للهداية والإيمان.
ولابد من التنبيه إلى ورود كلمتين في هذه الآية هما " التجارة " و " البيع " وهما كلمتان تبدوان وكأن لهما معنى واحدا، إلا أن الفرق بينهما هو أن التجارة عمل مستمر، والبيع ينجز مرة واحدة، وقد تكون عابرة.
ويجب الالتفات إلى أن الآية لم تقل: أن هؤلاء لا يمارسون أبدا التجارة والبيع بل قالت: إنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله.
إنهم يخافون يوم القيامة والعدل الإلهي الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار من الخوف والوحشة (ويجب الانتباه إلى أن الفعل المضارع، " يخافون " يدل على الاستمرار في الخوف، وهذا الخوف هو الذي دفعهم إلى تحمل مسؤولياتهم، ولبلوغ رسالتهم في الحياة).
وأشارت آخر هذه الآيات إلى الجزاء الوافي لحراس نور الهداية وعشاق الحق والحقيقة، فقالت: ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله،