وبهذا يتضح الجواب عن السؤال: لم يعرض الإسلام كرامة إنسان بين الناس إلى الخدش والامتهان؟ فيقال: ما دام الذنب سرا لم يطلع عليه أحد ولم يبلغ القضاء، فلا بأس بكتمانه في النفس واستغفار الله منه، فإنه تعالى يستره بلطفه ويحب من يستره، أما إذا ظهر الجرم بالأدلة الشرعية، فلابد من تنفيذ العقاب بشكل يبطل آثار الذنب السيئة، ويبعث على استفظاعه وبشاعته. ومن الطبيعي أن يولي المجتمع السليم الأحكام اهتماما كبيرا، فتكرار التحدي للحدود الشرعية يفقدها فاعليتها في صيانة الطمأنينة والاستقرار في النفوس، ومن هنا وجبت إقامة هذا الحد علنا ليمتنع الناس من تكرار فاحشة ساءت سبيلا.
ويجب أن لا ننسى أن كثيرا من الناس يهتم باطلاع الناس على سوء فعله أكثر من اهتمامه بما ينزل به من العقاب على ذلك الفعل الشنيع. ولهذا وجبت إقامة الحد على الزاني بحضور الناس، وهذا الإعلان لإقامة هذا الحد الإلهي أمام الناس قد يمنع المفسدين من الاستمرار في الفساد ويكون بمثابة فرامل قوية امام التمادي في ركوب الشهوات.
وبعد بيان حد الزنا، جاء بيان حكم الزواج من هؤلاء في الآية الثالثة وكما يلي الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين.
اختلف المفسرون في كون هذه الآية بيانا لحكم إلهي، أو خبرا عن قضية طبيعية.
فيرى البعض أن الآية تبين واقعة ملموسة فقط، فالمنحطون يختارون المنحطات، وكذلك يفعلن هن في اختيارهن، بينما يسمو المتطهرون المؤمنون عن ذلك. ويحرمون على أنفسهم اختيار الأزواج من ذلك الصنف تزكية وتطهيرا، وهذا ما يشهد به ظاهر الآية الذي جاء على شكل جملة خبرية.
إلا أن مجموعة أخرى ترى في هذه العبارة حكما شرعيا وأمرا إلهيا يمنع