ونتيجة ذلك: أن الخبر المخصص للكتاب، أو المقيد له حجة في نفسه، ويلزم العمل به إلا حين يبتلى بالمعارضة.
3 - وقالوا: لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز نسخه به، والنسخ به غير جائز يقينا فالتخصيص به غير جائز أيضا، والسند في هذه الملازمة:
أن النسخ - كما أوضحناه في مبحث النسخ - تخصيص في الأزمان، والدليل الناسخ كاشف عن أن الحكم الأول كان مختصا بزمان ينتهي بورود ذلك الدليل الناسخ، فنسخ الحكم ليس رفعا له حقيقة، بل هو رفع له صورة وظاهرا، والتخصيص في الافراد كالتخصيص في الأزمان، فكلاهما تخصيص، فلو جاز الأول لجاز الثاني.
والجواب عن ذلك:
أن الفارق بين النوعين من التخصيص هو الاجماع القطعي على المنع في النسخ ولولا ذلك الاجماع لجاز النسخ بخبر الواحد الحجة، كما جاز التخصيص به، وقد بينا أن الكتاب وإن كان قطعي السند إلا أن دلالته غير قطعية، ولا مانع من رفع اليد عنها بخبر الواحد الذي ثبتت حجيته بدليل قطعي.
نعم: الاجماع المذكور ليس إجماعا تعبديا، بل لان بعض الأمور من شأنه أن ينقل بالتواتر لو تحقق في الخارج، فإذا اختص بنقله بعض دون بعض كان ذلك دليلا على كذب راويه أو خطئه، فلا تشمله أدلة الحجية لخبر الواحد، ومن أجل هذا قلنا: إن القرآن لا يثبت بخبر الواحد.
ومما لا ريب فيه أن النسخ لا يختص بقوم من المسلمين دون قوم، والدواعي لنقله متظافرة، فلو ثبت لكانت الاخبار به متواترة، فإذا اختص الواحد بنقله كان ذلك دليلا على كذبه أو خطئه، وبذلك يظهر الفارق بين التخصيص والنسخ وتبطل الملازمة بين جواز الأول وجواز الثاني.