المسلمين كانوا مخيرين في الصلاة إلى أية جهة شاءوا وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد اختار من الجهات جهة بيت المقدس، فنسخ ذلك بالامر بالتوجه إلى خصوص بيت الله الحرام.
ولا يخفى ما في هذا القول من الوهن والسقوط، فإن قوله تعالى:
" وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه 2: 143 ".
صريح في أن توجهه إلى بيت المقدس كان بأمر من الله تعالى لمصلحة كانت تقتضي ذلك، ولم يكن لاختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك دخل أصلا.
والصحيح أن يقال في الآية الكريمة إنها دالة على عدم اختصاص جهة خاصة بالله تعالى، فإنه لا يحيط به مكان، فأينما توجه الانسان في صلاته ودعائه وجميع عباداته فقد توجه إلى الله تعالى. ومن هنا استدل بها أهل البيت - ع - على الرخصة للمسافر أن يتوجه في نافلته إلى أية جهة شاء، وعلى صحة صلاة الفريضة فيما إذا وقعت بين المشرق والمغرب خطأ، وعلى صحة صلاة المتحير إذا لم يعلم أين وجه القبلة. وعلى صحة سجود التلاوة إلى غير القبلة، وقد تلاها سعيد بن جبير " رحمه الله " لما أمر الحجاج بذبحه إلى الأرض (1) فهذه الآية مطلقة، وقد قيدت في الصلاة الفريضة بلزوم التوجه فيها إلى بيت المقدس تارة، وإلى الكعبة تارة أخرى، وفي النافلة أيضا في غير حال المشي على قول. وأما ما في بعض الروايات من أنها نزلت في النافلة فليس المراد أنها مختصة بذلك " وقد تقدم أن الآيات لا تختص بموارد نزولها ".
وجملة القول: ان دعوى النسخ في الآية الكريمة يتوقف ثبوتها على أمرين: