المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة.
قال الحارث المحاسبي: " المشهور عند الناس أن جامع القران عثمان، وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة، بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن... " (1).
أقول: أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه منع عن القراءات الأخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، التي تقدم توضيح بطلانها، أما هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين، وذلك لان الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين، وتمزيق صفوفهم، وتفريق وحدتهم، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا. وقد مر - فيما تقدم - بعض الروايات الدالة على أن النبي صلى الله عليه وآله منع عن الاختلاف في القرآن، ولكن الامر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتى سموه بحراق المصاحف.