وفي الشرع: إنكار ما علم بالضرورة مجيئ الرسول (عليه السلام) به، كوجوب الصوم والصلاة والزكاة وغير ذلك. وإنما عد لبس العيار (1) وشد الزنار كفرا؟
لأنهما تدلان على التكذيب، فإن من صدق الرسول (عليه السلام) لا يجترئ عليهما، لا لأنهما كفر في أنفسهما.
واحتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي على حدوثه، لاستدعائه سابقة مخبر عنه، وحيث لا يصح الحكم على الكافرين مطلقا باستواء الانذار وتركه لتحقق الايمان من بعضهم، فتعريف الموصول: إما للعهد، والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب، وأبي جهل، والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود، فإن هؤلاء وأضرابهم أعلام الكفرة فهم كالحاضرين في الذهن، فإذا اطلق اللفظ التفت الخاطر إليهم أو لاستغراق الجنس، وهو الشائع في الاستعمال، إما مطلقا فيستغرق المصرين وغير المصرين وخص منه المصرين بقرينة الخبر، وإما مقيدا بالاصرار بهذه القرينة، فإنه أيضا جنس، فيستغرق أفراد جنس المصرين فقط، أو لبعض أفراد الجنس من غير عهد واستغراق، ويكون تعيين المصرين بقرينة الخبر.
أقول: ويحتمل أن يكون المراد به مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وتابعي أبي لبابة بن المنذر، يدل على إرادة ذلك ما روي عن محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة وظهرت آثار صدقه وآيات حقه وبينات نبوته، كادته اليهود أشد كيد و قصدوه أقبح قصد، يقصدون أنواره ليطمسوها وحجته ليبطلوها، فكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه مالك بن الصيف وكعب بن أشرف وحيي بن أخطب، وأبو لبابة بن المنذر، وشيعته. فقال مالك لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا محمد، تزعم أنك رسول الله؟ قال رسول الله: كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين. قال:
يا محمد، لن نؤمن أنك لرسوله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتي، ولن نشهد