تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٨١
يشهدون لكم بأن ما أتيتم به مثله، أو الحاضرون الناصرون، والمعنى: ادعوا أعوانكم وأنصاركم حتى يعينوكم على إتيان مثله. أو آلهتهم الذين عبدوهم وأطاعوهم، والمعنى: ادعوا آلهتكم الذين تعبدونهم حتى يعينوكم بإتيان سورة واحدة من جنس ما أتى به عبدنا.
من دون الله: دون في أصله للتفاوت في الأمكنة، يقال لمن هو أنزل مكانا من الآخر: هو دون الأول، فهو ظرف مكان مثل عند، إلا أنه ينبئ عن دنو أكثر وانحطاط قليل، ومنه تدوين الكتب، لأنه إدناء البعض من البعض، ودونك هذا، أي خذه من أدنى منك مكان، ثم اتسع فيه واستعمل في انحطاط لا يكون في المكان كقصر القامة مثلا، ثم استعير منه للتفاوت في المراتب المعنوية تشبيها بالمراتب المحسوسة، وشاع استعماله أكثر من استعماله في الأصل نحو زيد دون عمرو، أي في الشرف، ومنه الشئ الدون، ثم اتسع في هذا المستعار فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد وإن لم يكن هناك تفاوت وانحطاط، فهو في هذا المعنى مجاز في المرتبة الثالثة، قال تعالى: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " (1) أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين، وقال أمية:
يا نفس مالك دون الله من واق (2).
أي إذا تجاوزت وقاية الله فلا يقيك غيره، وهو بهذا المعنى قريب من أن يكون بمعنى غير، كأنه أداة استثناء.
والأحسن هنا أن يكون بمنزلة أداة استثناء، أو بمعنى أدنى مكان من شئ، فيستعار لمعنى قدام الشئ وبين يديه، وكلمة (من) إذا كان دون بمعنى القدام تبعيضية، لان الفعل يقع في بعض الجهة، وهو ظرف لغو معمول ل‍ (شهداءكم) إذ يكفيه رائحة الفعل، فلا حاجة إلى اعتماد ولا إلى تقدير يشهد، وإذا كان بمعنى

(1) سورة آل عمران: الآية 39.
(2) وتمامه: ولا للسع بنات الدهر من راق، لامية بن أبي الصلت يقول: يا نفس ليس لك حافظ دون الله، أي متجاوز الله، واستعار البنات للحوادث، ثم شبه الحوادث بالأفاعي بجامع إيذاء كل لغيره، أي لا حافظ لك إلا الله ولا جابر إلا هو. تلخيص من حاشية الكشاف: ج 1، ص 99
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست