ولا يذهب عليك أن الاتيان بسورة من مثل هذا العبد، ليس بمعجوز عنه ما لم يعتبر مثلية سورة للسور القرآنية في حسن النظم وغرابة البيان.
وثالثها: أن يكون الظرف متعلقا ب (فأتوا) والضمير عائد إلى (ما نزلنا).
وهجر هذا الوجه، فإن (فأتوا) أمر قصد به تعجيزهم باعتبار المأتي به، فلو تعلق به (من مثله) وكان الضمير للمنزل تبادر منه أن له مثلا محققا جامعا لأمثال السور القرآنية، وأن عجزهم إنما هو عن الاتيان بسورة منه، بخلاف ما إذا كان صفة للسورة، فإن المعجوز عنه حينئذ هو الاتيان بسورة مماثلة للقرآن في حسن النظم وغرابة البيان، وهذا لا يقتضي وجود مثل ذلك.
وحاصله أن قولنا: إئت من مثل الحماسة ببيت، يقتضي وجود المثل لها، بأن يكون هناك كتاب محقق جامع لكثير من أشعار بلغاء العرب ويؤتى ببيت منه، بخلاف ائت ببيت من مثل الحماسة إذا كانت (من) بيانية، ويكون حاصل المعنى: ببيت يماثل الحماسة في الفصاحة والبلاغة، فإن ذلك لا يقتضي تحقق كتاب جامع مثلها، نعم إذا كانت (من) ابتدائية أو تبعيضية، يقتضي ذلك من غير فرق.
رابعها: أن يكون الضمير عائدا إلى (عبدنا) وحينئذ يكون (من) ابتدائية، وهذا لا يقتضي إلا أن يكون للعبد مثل في كونه بشرا عربيا أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء، ولا محذور في ذلك، لكن ينبغي أن يعتبر مثلية سورة للسور القرآنية، كما في الصورة الثانية.
ورد الضمير إلى المنزل أوجه من ستة وجوه:
الأول: الموافقة لقوله تعالى: " فأتوا بسورة من مثله " ونظائره، لان المماثلة فيها صفة للمأتي به، فكذا هاهنا إذ جعل الظرف صفة للسورة والضمير عائدا إلى المنزل، و (من) بيانية أو زائدة.
والثاني: أن الكلام واقع في المنزل، لان ارتيابهم المفروض إنما وقع فيه، ولو رد الضمير إلى العبد، كان حق الترتيب أن يقال: إن كان لكم ريب في عبدنا المنزل عليه القرآن فأتوا بسورة من مثله.