به، بل لو جوزه مجوز فإنما يكون بمحض الاحتمال العقلي. ولهذا السبب بعينه قال:
" في ريب " وإن كان أكثرهم ينكرون.
وإنما أتى بالتنزيل المنبئ عن التدريج، لان النزول التدريجي كان أحد أسباب طعنهم وارتيابهم في القرآن، فإنهم كانوا يطعنون في القرآن ويرتابون فيه، من حيث أنه كان مدرجا على قانون الخطابة والشعر، فإن الناثر لا يرمي بمجموع خطبه أو رسائله دفعة، والناظم لا يلقي ديوان شعره ضربة، بل مفرقا حينا فحينا و شيئا فشيئا، فكانوا يقولون: لولا انزل عليه القرآن خلاف هذه العادة جملة واحدة!
فقيل لهم: إن ارتبتم في هذا الذي انزل تدريجا، فهاتوا أنتم بنجم من نجومه وسورة من سوره، فإنه أيسر عليكم من أن ينزل الجملة دفعة واحدة.
قيل: التدريج هو الذي يعبر عنه بالتكثير، أي يفعل مرة بعد مرة، والتضعيف الدال على ذلك من شرطه أن يكون في الافعال المتعدية قبل التضعيف غالبا، نحو فتحت الباب، ولا يقال: جلس زيد لإرادة التدريج والتكثير، لأنه لم يكن متعديا قبل التضعيف، وإنما جعله تضعيفه متعديا. وقولنا غالبا، لأنه قد جاء التضعيف دالا على الكثرة في اللازم، نحو موت المال. ويعلم من ذلك أن التضعيف الدال على الكثرة لا يجعل اللازم متعديا. فظهر من ذلك أن تضعيف (نزل) للتعدية دون التدريج.
وأيضا يحتاج قوله تعالى: " لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة " (1) وقوله: " لولا نزل عليه آية " (2) وقوله: " لنزلنا عليهم ملكا رسولا " (3) إلى تأويل.
وفي (نزلنا) التفات من الغيبة إلى التكلم، لان قبله " اعبدوا ربكم " فلو جاء الكلام عليه لقيل: مما نزل على عبده، لكنه التفت للتفخيم.
وعبر عنه بالعبد، لان أعلى المقامات مقام العبدية، فإن المطلق لا ينصرف إلا