تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٣٩
وفي تصدير الاستئناف بذكر الله: دلالة أولا: على أن الاستهزاء بالمنافقين، هو الاستهزاء الأبلغ الذي لا اعتداد معه باستهزائهم، وذلك لصدوره عمن يضمحل علمهم وقدرتهم في جنب علمه وقدرته.
وثانيا: على أنه تعالى يكفي مؤونة عباده المؤمنين، ولا ينتقم لهم، ولا يحوجهم إلى معارضة المنافقين تعظيما لشأنهم.
وإنما قال: " يستهزئ " ولم يوافق لقولهم، ليفيد حدوث الاستهزاء، وتجدده وقتا بعد وقت. أما إفادته الحدوث فلكونه فعلا. وأما إفادة تجدده وقتا بعد وقت، فلان المضارع لما كان دالا على الزمان المستقبل الذي يحدث شيئا بعد شئ على الاستمرار، ناسب أن يقصد به إذا وقع موقع غيره، أن معنى مصدره المقارن لذلك الزمان يحدث مستمرا استمرارا تجديديا، لا ثبوتيا كما في الجملة الاسمية. و إنما أفيد ذلك ليكون على طبق نكايات الله فيهم وبلاياه النازلة أفلا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين.
ويمدهم في طغيانهم يعمهون: من مد الجيش وأمده، إذا زاده وقواه. و مددت السراج والأرض إذا استصلحتهما بالزيت والسماد. ومنه مد الدواة وأمدها إذا أراد أن يصلحها. لا من مد العمر بمعنى الاملاء والامهال، فإنه يعدى باللام كأملى له. والحذف والايصال خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا بدليل.
ويؤيده قراءة ابن كثير (ويمدهم) بضم الياء من الامداد، بمعنى إعطاء المدد، وليس من المد في العمر والامهال في شئ (1).
والأصل في الطغيان - بالضم والكسر ك‍ (لقيان) ولقيان - تجاوز الشئ عن مكانه، والمراد تجاوز الحد في الكفر والغلو في العصيان. والمراد زيادة طغيانهم بسبب تمكين الشيطان من إغوائهم، أو أنه لما منعهم الطاقة التي يمنحها المؤمنون وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم وسدهم طرق التوحيد على أنفسهم، فتزايدت بسببه قلوبهم رينا وظلمة، تزايد قلوب المؤمنين انشراحا ونوارا، فإسناد الفعل إلى الله

(1) تفسير الكشاف: ج 1، ص 67
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست