تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٣٦
وتنافي قولهم لهما بخلاف صدر قصتهم، فإنه مسوق لبيان أصل نفاقهم من غير تعرض للقائهم المؤمنين وقولهم معهم، ولخلوهم مع شياطينهم وقولهم لهم، فما يتوهم في أجزاء الشرطية الأولى من التكرار مضمحل بالكلية.
تقول لقيته ولاقيته: إذا استقبلته قريبا منه، ومنه ألقيته إذا طرحته، لأنك بطرحه جعلته بحيث يلقى.
وإذا خلوا إلى شياطينهم: من خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه. أي إذا انفردوا مع شياطينهم، أو من خلاك ذم، أي عداك ومضى عنك، ومنه القرون الخالية أي الماضية. أي إذا مضوا عن المؤمنين إلى شياطينهم. واستعمال (خلا) ب‍ (إلى) على هذين المعنيين ظاهر. أو خلوت به إذا سخرت منه، وحينئذ يحتاج في استعماله ب‍ (إلى) إلى تضمين معنى الانهاء. أي إذا سخروا من المؤمنين منهين هذه السخرية إلى شياطينهم. وهذا كما تقول: أحمد إليك فلانا، أي أحمده منهيا ذلك الحمد إليك.
وشياطينهم: أصحابهم الذين مايلوا الشياطين في تمردهم منافقين كانوا أو مشركين، فيكون من قبيل الاستعارة. وجعل سيبويه تارة نونه أصلية على أنه من شطن إذا بعد، فهو بعيد عن الصلاح، ويشهد له قولهم: تشيطن. وأخرى زائدة على أنه من شاط إذا بطل، ومن أسمائه الباطل (1).
قالوا إنا معكم: في عدم الايمان بمحمد (صلى الله عليه وآله) وخاطبوا المؤمنين المنكرين بالفعلية مجردة عن التأكيد، وشياطينهم الذين لا يذكرون بالاسمية مؤكدة، والقياس العكس، لأنهم كانوا مع المؤمنين بصدر الاخبار بحدوث الايمان منهم، وتركوا التأكيد لعدم الباعث عليه من بواطنهم من صدق ونية ووفور اعتقاد، أو لعدم رواجه عنهم عند المخاطبين الذين هم أرباب فهم وكياسة بلفظ التأكيد، بخلاف مخاطبتهم مع شياطينهم، فإنهم فيما أخبروهم به على صدق رغبة و وفور نشاط، وهو رائج عنهم متقبل منهم على لفظ التأكيد.

(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست