تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٣٤
كصهيب وبلال، أو للتجلد وعدم المبالاة لهم بمن آمن منهم، إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه.
والسفة: خفة العقل وقلته، ويقابله الحلم بالكسر: وهو الاناءة.
وكان هذا الكلام مقولا فيما بينهم، لا في وجوه المؤمنين، لأنهم كانوا منافقين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، فأخبر سبحانه بذلك نبيه، ورد عليهم بأبلغ رد، وقال:
ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون: تفصيل هذه الآية ب‍ (لا يعلمون) والتي قبلها ب‍ (لا يشعرون) لأنه أكثر طباقا لذكر السفه، ولان الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وتفكر، وأما النفاق وما فيه من النقص والفساد فمما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يشاهد من أقوالهم وأفعالهم.
وروي في تفسير تلك الآية عن موسى (عليه السلام): إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة، قال لهم خيارهم المؤمنون كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار: آمنوا برسول الله وعلي (عليهما السلام) الذي أوقفه موقفه وأقامه مقامه وناط مصالح الدين والدنيا كلها به، وآمنوا بهذا النبي وسلموا لهذا الامام وسلموا له ظاهرة وباطنة كما آمن الناس المتقدمون. قالوا في الجواب: ولكنهم يذكرون لمن يفيضون إليهم من أهليهم الذين يثقون بهم، يقولون لهم: أنؤمن كما آمن السفهاء - يعنون سلمان و أصحابه - لما أعطوا عليا خالص دينهم وودهم ومحض طاعتهم وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه ومعادة أعدائه؟ فرد الله عليهم الذين لم ينظروا في أمر محمد حق النظر، فيعرفوا نبوته ويعرفوا به صحة ما ناطه بعلي (عليه السلام) من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين وصاروا خائفين وجلين من محمد ودوامه (عليه السلام)، ولكن لا يعلمون أن الامر كذلك وأن الله يطلع نبيه (صلى الله عليه وآله) على أسرارهم، فيخسئهم ويلعنهم ويسفههم (1).
قال بعض الفضلاء: وإذا سمعت شطرا من الاحكام اللفظية، فاسمع نبذا

(١) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: ص 56، في ذيل قوله تعالى: " وإذا لقوا الذين آمنوا ".
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست