[وإذا لقوا الذين ء امنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون (14)] من المعاني البطنية، فنقول: وإذا قيل لهؤلاء المتوسمين بالايمان الرسمي المدعين التوحيد الحقيقي: لا تفسدوا في أرض استعدادكم لذلك التوحيد، ولا تبذروا فيها بذر الشرك بإضافة الافعال إلى أنفسكم. قالوا: إنما نحن مصلحون لها بارتكاب الأعمال الصالحة، واكتساب الأفعال الحسنة لتترتب عليها الا جزية الأخروية من الجنات وما فيها من أنواع النعيم المقيم، فقيل في ردهم: ألا إنهم هم المفسدون لها، فإن ترتب تلك الا جزية لا يتوقف إلا على نفس الأعمال، لا على إضافتها إلى أنفسهم، بل بهذه الإضافة يبقون محرومين عن التوحيد ولا يتحققون به أصلا، وكيف يتحققون وهم لا يصلون إلى توحيد الافعال، فكيف بتوحيد الصفات والذات! فلا يحظون بما يترتب عليه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكنهم لا يشعرون بذلك الافساد، لأنه من قبيل الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل. وإذا قيل لهم آمنوا إيمانا حقيقيا كما آمن الناس المتحققون بحقائق الحقيقة الانسانية الكمالية، الباذلون وجودهم بالفناء في الله.
قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ فإن من السفه بذل الوجود الذي هو رأس مال الحظوظ العاجلة والآجلة، فقيل في ردهم: ألا إنهم هم السفهاء، فإن من يبذل وجوده الفاني يبقى ببقاء الحق سبحانه، وأين الوجود الفاني من البقاء بالحق!؟
ولكنهم لا يعلمون ذلك، لان هذا العلم لا يحصل بالحجة والبرهان، بل بالذوق والوجدان.
وإذا لقوا الذين ء امنوا قالوا آمنا: وقرئ " ولاقوا " هذه الجملة مع ما عطفت عليها في حكم كلام واحد، مساقة لبيان معاملتهم مع المؤمنين وأهل دينهم،