تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٣٨
فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: " سخر الله منهم " (1) وعن قوله: " الله يستهزئ بهم " (2) وعن قوله:
" مكروا ومكر الله " (3) وعن قوله: " يخادعون الله وهو خادعهم " (4)، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ، ولا يمكر، ولا يخادع، ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. انتهى (5).
وإنزال الهوان والحقارة بهم، لأنه الغرض من الاستهزاء، فهذا أيضا من المجاز المرسل، لعلاقة السببية في التصور والمسببية في الوجود. وفي هذا التوجيه تنبيه على أن مذهبهم حقيق بأن يسخر منه ويستهزأ به لأجله. أو معاملته سبحانه معهم معاملة المستهزئ بمن يستهزئ به. واستعمل لفظ المشبه به في المشبه، فيكون استعارة.
وهي في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالامهال والزيادة في النعمة، مع تماديهم في الطغيان. وفي الآخرة فبأن يفتح وهم في النار باب إلى الجنة فيسرعون إليه، فإذا قربوا منه سد عليهم. أو إرجاع وبال الاستهزاء إليهم، فيكون كالمستهزئ بهم، فيكون استعارة أيضا.
أو لازم معناه، وهي إظهاره خفة عقل المستهزأ به وقلته، فيكون سبحانه مستهزء بهم في عين استهزائهم بالمؤمنين، فإن من استهزائهم بهم مع ظهور أمرهم، يظهر خفة عقولهم وقلتها.
وهو استئناف. فإنهم لما بالغوا في استهزاء المؤمنين مبالغة تامة، ظهر بها شناعة ما ارتكبوه وتعاظمه على الاسماع على وجه يحرك السامع أن يقول: هؤلاء الذين هذا شأنهم ما مصير أمرهم؟ وعقبى حالهم؟ وكيف معاملة الله والمؤمنين إياهم؟

(1) سورة التوبة: الآية 79.
(2) سورة البقرة: الآية 15.
(3) سورة آل عمران: الآية 54.
(4) سورة النساء: الآية 142.
(5) كتاب التوحيد: باب 21، ص 163، ح 1.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست