والمعنى أن دائرة المخادعة التي سبقت، وهي المخادعة المستعارة للمعاملة الجارية بينهم وبين الله والمؤمنين المشبهة بمعاملة المخادعين، أو المخادعة المحمولة على حقيقتها لكن في ظنهم الفاسد، أو المخادعة الواقعة بينهم وبين الرسول، أو بينهم وبين المؤمنين، راجعة إليهم وضررها يحيق بهم لا يعدوهم أو أنهم في ذلك خدعوا أنفسهم لما غروها بذلك، وخدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الفارغة، وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية.
فعلى الأول: تكون العبارة الدالة على قصة المخادعة مجازا، أو كناية عن انحصار ضررها فيهم.
ويحتمل أن يجعل لفظ الخداع مجازا مرسلا عن ضرره في المرتبة الأولى أو الثانية.
وعلى الثاني: تكون المخادعة مستعملة في معناها حقيقة.
وقرأ الباقون (وما يخدعون) قيل: لان المخادعة لا تتصور إلا بين اثنين.
أقول: نعم، لكن الاثنين أعم من أن يكون اثنين حقيقة أو اعتبارا، اللهم إلا أن يقال: الاثنينية الحقيقية مشروطة بحسن المخادعة.
وقرئ (يخدعون) من خدع. ويخدعون بفتح الياء، والأصل يختدعون، بمعنى يخدعون، كيقتدرون بمعنى يقدرون، فأدغم.
ويخدعون ويخادعون على لفظ ما لم يسم فاعله، وحينئذ يكون (إلا أنفسهم) معناه إلا أنفسهم على حذف حرف الجر، يقال: خدعت زيدا نفسه، أي عن نفسه، نحو " واختار موسى قومه " (1).
ويحتمل النصب على التمييز عند من يجوز كونه معرفة، واستعمال الخدع بناء على تضمينه معنى الصدور، أي ما يخدعون إلا خدعا صادرا عن أنفسهم منشئ عنهما.
والنفس: الذات. ويقال للقلب بمعنى العضو الصنوبري: نفس، لان قوام النفس بمعنى الذات، بذلك. ولهذا المعنى أيضا يقال للروح الدم: نفس، وللماء لفرط حاجتها إليه. وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه، أي يشاورها، لأنه ينبعث عنها،