استعارة تصريحية، واشتقاق يخادعون منه استعارة تبعية.
أو يقال: المخادعة محمولة على حقيقتها، لكنها ترجمة عن معتقدهم الباطل وظنهم الفاسد، كأنه قيل: يزعمون أنهم يخدعون، وأنه يخدعهم، وكذلك المؤمنون يخدعونهم.
أو يقال: المراد يخدعون الذين آمنوا، وذكر الله ليس لتعليق الخدع به، بل لمجرد التوطئة، وفائدتها التنبيه على قوة اختصاص المؤمنين بالله وقربهم منه، حتى كان الفعل المتعلق بهم دونه يصح أن يعلق به أيضا. وكذا الحال في أعجبني زيد وكرمه، فإن ذكر زيد توطئة وتنبيه على أن الكرم قد شاع فيه وتمكن بحيث يصح أن يسند إليه أيضا الاعجاب الذي في كرمه، ومثل هذا العطف يسمى جاريا مجرى التفسير.
ووجه العدول عن خدع إلى خادع، قصد المبالغة، لان المفاعلة في الأصل المغالبة، وهي أن يفعل كل من الجانبين مثل صاحبه ليغلبه، وحينئذ يقوى الداعي إلى الفعل ويجيئ أبلغ وأحكم.
و (يخادعون) بدل أو بيان ل (يقول) لأنه وإن كان واضحا في نفسه، ففيه خفاء بالنسبة إلى الغرض، ولما كان خفاؤه باعتبار الغرض منه، اكتفى في بيانه بذكره، وهو الخداع.
ويجوز أن يكون مستأنفا، كأنه قيل: ولم يدعون الايمان كاذبين؟ فقيل:
يخادعون. وكأن غرضهم من المخادعة إما دفع المضرة عن أنفسهم كالقتل والأسر، أو جذب المنفعة كأخذ الغنائم، أو إيصال المضرة إلى المؤمنين كإفشاء أسرارهم إلى أعدائهم من الكفار.
أقول: ويحتمل أن يكون معنى يخادعون، يريدون أن يخدعوا، إما لدلالة جوهر الصيغة عليه، وإما باعتبار أن الافعال التي من شأنها أن تصدر بالإرادة والاختيار إذا نسبت إلى ذوي الاختيار فهم إرادتها.
وما يخدعون إلا أنفسهم: قراءة نافع (1) وابن كثير (2) وأبي عمرو (3).