وما هم بمؤمنين: نفي لما ادعوا، والأصل يقتضي أن يقول: وما آمنوا، ليطابق قولهم، لكنه قدم المسند إليه وجعل المسند صفة فصارت الجملة اسمية غير دالة على ذات زمان، لان في ذلك سلوكا لطريق الكناية في رد دعواهم الكاذبة، فإن انخراطهم في سلك المؤمنين وكونهم طائفة من طوائفهم من لوازم ثبوت الايمان الحقيقي لهم، وانتفاء اللازم دل على انتفاء الملزوم، ففيه من التأكيد والمبالغة ما ليس في نفي الملزوم ابتداء. وأيضا فيه مبالغة في نفي اللازم بالدلالة على دوامه المستلزم لانتفاء حدوث الملزوم مطلقا، وأكد ذلك النفي بالباء أيضا، وأطلق الايمان لزيادة التأكيد، على معنى أنهم ليسوا من الايمان في شئ، أو أراد وما هم بمؤمنين بالله واليوم الآخر، بقرينة ما أجيب به عنه. ولما اعتبر التأكيد والاستمرار بعد ورود النفي لم يفد إلا تأكيد النفي.
واستدل من ذهب إلى أن الايمان ليس هو الاقرار فقط بالآية.
وأقول: الآية تدل على أن من ادعى الايمان وخالف قلبه لسانه بالاعتقاد لم يكن مؤمنا، ولا تدل على أن من تكلم بالشهادتين بدون الاعتقاد لم يكن مؤمنا، وهو المتنازع فيه.
وقوله: " وما هم بمؤمنين " جملة متعلق خبره محذوف، والتقدير وما هم بمؤمنين بالله واليوم الآخر أو بشئ من الأشياء.
فعلى الأول: وجهه ظاهر (1).
وعلى الثاني: توجيهه أن نفي الايمان منهم مطلقا مع أن منافقي أهل الكتاب كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر، بناء على إيمانهم كلا إيمانهم، لاعتقاد التشبيه، و اتخاذ الولد، وأن الجنة لا يدخلها غيرهم، وأن النار لن تمسسهم إلا أياما معدودة. فلو قالوا ما قالوه لا على وجه الخداع والنفاق وعقيدتهم هذه، لم يكن