تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١١٨
معاملة الله من حيث أنه خليفته، كما قال تعالى: " من يطع الرسول فقد أطاع الله " (1) " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " (2).
ويدل على ذلك ما روي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام): لما اتصل ذلك من مواطأتهم وقبلهم في علي وسوء تدبيرهم عليه برسول الله (صلى الله عليه وآله)، دعاهم وعاتبهم فاجتهدوا في الايمان، فقال أولهم: يا رسول الله، والله ما اعتددت بشئ كاعتدادي بهذه البيعة، ولقد رجوت أن يفسح الله بها لي في قصور الجنان، و يجعلني فيها من أفضل النزال والسكان. وقال ثانيهم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة، والله ما يسرني أن نقضتها أو نكثت بعد ما أعطيت من نفسي ما أعطيت، ولو أن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة. وقال ثالثهم: والله يا رسول الله، لقد صرت من الفرح بهذه البيعة والسرور والفسح من الآمال في رضوان الله، وأيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلها علي لمحضت عني بهذه البيعة، وحلف على ما قال من ذلك، ولعن من بلغ عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلاف ما حلف عليه، ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين، قال الله عز وجل لمحمد:
يخادعون الله، يعني يخادعون رسول الله بأيمانهم خلاف ما في جوانحهم، والذين آمنوا كذلك أيضا، الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3) ويحتمل أن يقال: المقصود أن بينهما حالة شبيهة بالمخادعة، لا حقيقة المخادعة.
فإن صورة صنعهم مع الله من إظهار الايمان واستبطان الكفر، وصنع الله معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم، وهم عنده أخبث الكفار استدراجا لهم، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم وإجراء حكم الاسلام عليهم صورة صنع المخادعين، فشبهت تلك الصورة بهذه الصورة، فاستعمال لفظ هذه فيها إن وقع كان

(١) سورة النساء: الآية ٨٠.
(٢) سورة الفتح: الآية ١٠.
(٣) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص 42، ذيل قوله تعالى: " يخادعون الله والذين آمنوا ".
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست