تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١٢٢
يخفى. والأول أبلغ وأنسب بالمقام، لان فيه إشعارا بانحطاطهم عن مرتبة البهائم حيث لا يدركون أجلى المعلومات، أعني المحسوسات التي تدركها البهائم، ولذلك اختاره على ما يعلمون.
ومفعوله محذوف، فإما أن يقدر العلم به، والمعنى وما يشعرون أن وبال خداعهم راجع إلى أنفسهم، أو اطلاع الله عليهم. أو ينزل منزلة اللازم ولا يقدر له مفعول، وحينئذ إما أن لا يجعل كناية عنه متعلقا بمفعول خاص، أو بجعل، والثاني أبلغ، والثالث أبلغ منه.
في قلوبهم مرض: جملة مستأنفة لبيان الموجب لخداعهم وما هم فيه من النفاق.
ويحتمل أن تكون مقررة لعدم شعورهم. وقرئ " مرض " بسكون الراء، وهو صفة توجب الخلل في الافعال الصادرة من موضع تلك الصفة، ويمكن اتصاف القلب به. وذلك لان الانسان إذا صار مبتليا بالحسد والنفاق ومشاهدة المكروه، فإذا دام به ذلك صار سببا لتغيير مزاج القلب وتألمه، واتصاف قلوب المنافقين بهذا التفسير غير معلوم، فالمراد به هنا المعنى المجازي هو آفته كسوء الاعتقاد والكفر، أو هيئة باعثة على ارتكاب الرذائل كالغل والحسد والبغض، أو مانعة عن اكتساب الفضائل كالضعف والجبن والخور (1)، لان قلوبهم كانت متصفة بهذه الاعراض كلها.
وفي تقديم الخبر فائدتان، تخصيص المبتدأ النكرة، وإفادة الحصر ادعاء.
فزادهم الله مرضا: معطوف على الجملة السابقة، والمعنى أنه لما كان في قلوبهم مرض واستعداد للمرض، فزيد مرضهم. والمراد بالزيادة الختم على قلوبهم حتى لا يخرج شئ من هذه النقائص، ولا يدخل شئ مما لها من الفضائل، بل وإنما أتى بالجملة الفعلية في المعطوف دون المعطوف عليه لتجدد ذلك الزائد يوما فيوما، بخلاف أصل المرض، فإنه كان ثابتا مستقرا في قلوبهم.

(١) خار يخور: ضعف. المصباح المنير: ص 183.
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست