تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ١١١
إليه، ومعنى التنكير في الآية: أن على أبصارهم غشاوة ليس مما يتعارفه الناس، وهو التعامي عن الآيات، ولهم من الآلام العظام نوع يعلم كنهه الله تعالى أي في الآخرة.
وقال بعضهم: إن لهم عذابا في الدنيا والآخرة، لان عذابهم الأخروي ليس إلا صور اعتقاداتهم ونتائج أعمالهم من دركات النيران وما فيها من الآلام، كان في الدنيا معاني; فصار في الآخرة صورا، فهم دائمون فيها لكنهم لا يتألمون بها في الدنيا لكثافتهم. والذين صاروا في الدنيا أهل الآخرة يرونهم داخلين في النار وما فيها من أنواع العذاب.
قال بعض الصوفية: وإذ قد علمت ما بين لك من المعاني الظاهرة فالق سمعك تسمع بطنا من بطونها، فنقول: إن الذين كفروا أي خرجوا من الايمان الرسمي المنوط بغيبهم عن المؤمن به، ودخلوا في الكفر الحقيقي بستر وجوداتهم في الفناء في الله، إن أنذرتهم بسوء عاقبة ارتدادهم من هذا الكفر إلى ذلك الايمان أم لم تنذرهم، فهما سيان عليهم لأنهم لا يؤمنون، أي لا يرجعون إلى الايمان الرسمي أبدا، لان الفاني لا يرد، وكأنه إلى هذا الايمان والكفر أشار من قال:
كفرت بدين الله والكفر واجب * لدي وعند المسلمين قبيح (1) - ختم الله على قلوبهم: فلا يدخل فيها شئ مما سوى الله، وإن دخل فيها شئ فهو صورة من صور تجلياته انخلعت من لباس الغيرية، وختم على أسماعهم فلا يسمعون شيئا مما سواه، فإنه المتكلم على ألسنة الموجودات، فكلما يسمعونه بلسان الحال أو المقال فهو من صور كلامهم لا غير، وعلى أبصارهم غشاوة مانعة من رؤية غيره سبحانه فكلما يرونه ليس إلا من صور تجلياته، تجلى به على نظر شهودهم، ولهم عذاب، أي أمر يعده المحجوبون عذابا، وهو استهلاكهم في الوجود الحق، وإمساكهم عن اللذات العاجلة والراحات الآجلة، عظيم، أي

(1) لم نعرف قائله.
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست