فيما فرض، وغفورا رحيما فيما فعل، وعليما خبيرا فيما أخبر، وأشباه ذلك.
وقد ذكر لنا شيخنا أبو الفتح عثمان بن جني النحوي في ذلك وجها آخر، قال: إن العادة قد جرت إذا مدح الانسان أو تمدح أن يذكر أسلافه وقديمه وبينه وأوليته، أو يذكر له ذلك، كما قال عدي بن زيد:
نحن كنا قد علمتم قبلكم * عمد البيت وأوتاد الإصار [1] يعني: أن أحد أجداده قد ملك العرب قبل ملك النعمان بن المنذر الذي خاطبه بهذا الشعر، وحديث ذلك يطول، وكما قال الفرزدق عند تعديده مفاخر آبائه ومآثر أسلافه:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع فلما أريد مثل ذلك في الثناء على القديم تعالى ولم يكن له مثل ولا ند ولا أب ولا جد فيقال سلفك كذا وأولك كذا، عدل عن ذلك إلى ذكر تقادم مجده وملكوته وسلطانه وجبروته، فقال الراجز مشيرا إلى هذا الغرض:
فكنت إذا كنت إلهي وحدكا * لم يك شئ يا إلهي قبلكا وقال سبحانه مريدا هذا المعنى: وكان الله سميعا عليما وعزيزا حكيما، وغفورا رحيما، وما أشبه ذلك، فجعل سبحانه تقادم العهد بوحدانيته وربوبيته مكان ذكر السلف الأول الذي يتعالى عن مثله. وهذا أيضا من الأقوال الغريبة والاستنباطات اللطيفة وقد مضى من الكلام في هذه المسألة ما فيه كفاية وبلاغ بحمد الله.