ظهرت خباياهم ووضحت خفاياهم، ولم يلط [1] دون اسرارهم ستر ولم يخف لهم سر، كانوا في حكم من باح بسرائره وخبر بدخائله، وذلك مثل قول القائل لصاحبه: أخف عني ما شئت أن تخفيه فوالله ما تستطيع أن تكتمني [2] حديثك ولا تستر عني مكنونك، يريد لإحاطتي علما بغيبك ووقوفي على جلية امرك فما يكتم عني سرك وإن كتمته ولا يخفى وإن أخفيته، وعلى هذا قول الشاعر:
تحدثني عيناك ما القلب كاتم * ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر ألا ترى كيف قال: (تحدثني عيناك) ونحن نعلم أنه ما تعمد أن يدل بشواهد عينه على ما أضمرته نفسه وكتمه قلبه! وكيف يكون ذلك، وقد نطق الشاعر بأن قلبه كاتم ولسانه كاظم! ولكن البغضاء لما ظهرت في طرفه ونطقت عن لحظه، صار كأنه نطاق بها ومحدث عنها. فلا يعتد بكتمان هؤلاء الكفار في الآخرة، إذا كان سرهم عند الله تعالى ظاهرا وإضمارهم باديا.
2 - ووجه آخر، قيل: إن الآخرة مواطن ومقامات، كما أن العقاب والثواب منازل ودرجات، واختلاف كلامهم إنما يكون لاختلاف أحوال القيامة ومواطنها: فموطن لا يعلو به الجرس ولا يسمع فيه إلا الهمس وهو: الصوت الخفي ونقل حركة الاقدام. وموطن يتكلمون فيه ويكذبون، وذلك قوله: (ما كنا نعمل من سوء) فقال